الحمد لله الرحيم الرحمن ، الذي علم القرآن ، واختص بعض عباده بميراث الكتاب ؛ فمنهم الظالم ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات بإذن ربه المنان ، والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه ما تعاقب القمران وما اختلف الملوان ، وبعد:
فإن من الأمور التي يوصي بها السادة الحفاظ من أراد أن يتقن حفظ القرآن: النظر في سير الحفاظ المهرة ومطالعة أخبارهم حتى تنشط النفس بذلك وتقوى على المسير بإذن ربها.
وقد كنت أظن حينا من الدهر أن ذكر حال السلف هو الشأن الأكمل والحال الأتم في ذلك ، إلى أن علمت أن أكثر الناس لا يتأثرون بقصصهم ولا يعتبرون بحالهم ، وذلك لأسباب ؛ منها:
(1) السلف الصالح أناس مقربون من ربهم ، كثيرو الطاعة ، وهم مجتهدون بالجملة ويأتون من الأعمال ما لا تطيقه النفوس الآن.
(2) السلف الصالح من القرون الأولى الخيرة ، فلا يقارن بهم أحد.
(3) زمان السلف وأحوالهم وأوقاتهم تختلف عن حالنا كليا وجذريا ؛ فقد كانوا متفرغون للعبادة أكثرهم.
(4) كان السلف أهل لسان عربي فصيح ، علماء باللغة العربية بسليقتهم مما يجعل حفظ القرآن يسيرا عليهم.
(5) أكثر من نطالع سيرتهم من جهابذة الحفاظ أناس موهوبون ولديهم حافظة قوية زودهم الله بها.
وكثير من الأسباب التي تجعل بعض المطالعين لأخبار الحفاظ القدامى تقف أمامهم هذه الأسباب عقبة تحول بينهم وبين الانتفاع بهذه النماذج المشرقة ، والحق أن هؤلاء مخطئون قطعا لأسباب ؛ منها:
(1) الاقتداء والتأسي لا يكون إلا بذوي السبق في كل مجال ، والسلف الصالح كانوا أصحاب سبق في كل مجال بتوفيق الله لهم.
(2) لا ننسى أن السلف الصالح بشر ؛ يأكلون مما نأكل منه ويشربون مما نشرب منه ، لكنهم أصحاب همم عالية
وطموحات تناطح السحاب وأصحاب أهداف واضحة ؛ فهم قوم يريدون الآخرة .. ليس إلا الآخرة ، أضف إلى ذلك: إنهم قوم مخلصون ، ولا نزكي على الله
أحدا .
(3) النماذج المحيطة بنا من الحفاظ لا تقدم لنا المثال المبهر كما أنها عرضة للانهيار ؛ فلا يؤمن على حي فتنة ، فمن كان مقتديا فليقتد بمن قد مات ، نسأل الله حسن الخاتمة.
(4) إن سنة الله ماضية لا تتحول ولا تتبدل ولا تتغير؛ فإن الله سبحانه وتعالى شرع لنا التوكل عليه والأخذ بالأسباب ، والذين أتقنوا حفظ القرآن من السلف ، أناس توكلوا على الله وأخذوا بالأسباب فنالتهم سنة الله عزوجل بالوصول إلى مأربهم وتحقيق مطلبهم طالما أنهم أخذوا بالأسباب المؤدية إلى إتقان الحفظ من تكرار وتعاهد ومراجعة وعرض على المتقنين وصلاة
الليل وما أدراك ما صلاة الليل ، واستصحبوا النية الخالصة والسيرة الصالحة وطلقوا الدنيا ولم يقدموا
شيئا على حفظ القرآن ، تماما كما تفعل أنت عندما تريد أن تحصل على أعلى الدرجات .. ألم أقل لك : إن سنة الله ماضية!
(5) كثير
ممن كان يعيش في زمان السلف (الجميل) لم يحفظ القرآن كما أن كثيرا ممن
حولك في زمانك التي تنقم عليه دائما وتعيبه يتقنون حفظ
القرآن ؛ فالمسألة خاضعة لتوفيق الله سبحانه وتعالى وهدايته إلى حفظ القرآن ؛ فالعبرة بمن يعيش الزمانَ وليس الزمان!
(6) أكثر من يطالعون أخبار السلف وأحوالهم لا يريدون الانتفاع بها ، ويحتجون بما ذكرت في البداية ليعتذروا بذلك أمام أنفسهم ، وأنهم ليس مقصرون ؛ فالحال مختلف وليس لدينا وقت لكي نعمل للجنة ، فلدينا انشغالات كثيرة ومهام عظيمة وأهداف
نبيلة أهمها الذهاب إلى النادي للتدريب علي السباحة ورياضة التنس ؛ فإن لبدنك عليك حقا ، والعقل السليم في الجسم السليم!
وإن كان الشأن هو أن السلف لديهم قدرات مختلفة وأحوال تباين أحوالنا ، لذا لا ينتفع بها أكثر الناس ، فإني آتيك بأمثلة الواقع المحيط بك قبل أن تقوم من مقامك ، وأفسد عليك حظ نفس في الرغبة إلى الركون والخمول ، وكلها واقعية معاصرة،
والمفاجأة أن كلها نسائية ؛ فلا تقول النساء: هم رجال ، وحتى يقول الرجال: دحضت حجتنا!
- متقنة تقرأ أثناء التسميع عليَّ ، هي وصاحبة لها متقنة ، الأجزاء من 21- 25 ( آخر العنكبوت إلى الجاثية ) في 75 دقيقة فقط ليس غير.
- متقنة تقرأ غيبا من أول يونس إلى آخر النحل في 48 دقيقة فقط ، بلفظ بين واضح.
- وإن تعجب فعجب هذه الفائقة التي ذات مرة أقول لها: ما تسميع اليوم؟ ، فتقول: مراجعة الأجزاء من 1 إلى نصف 17 ، وغدا تسميع سورة الحج ( حفظ جديد ) ، فقلت لها : حسنا ، اقرئي الآن غيبا سورة الحج ( وهي تسميع الغد) فقرأت دون خطأ ، والحمد لله
الذي تتم بنعمته الصالحات.
فبارك الله عليهن وحفظهن من كل سوء ، وختم لهن بالصالحات من الأعمال.
التأسي بحفاظ السلف وعجائب متقنات الخلف
موضوع: التأسي بحفاظ السلف وعجائب متقنات الخلف 
السبت 11 فبراير - 13:51